

كثيرًا ما نتحدث عن “الضغوط النفسية” وكأنها تأتي فقط من الدراسة، أو العمل، أو الظروف الاقتصادية، ولكن الحقيقة أن جزءًا كبيرًا من هذه الضغوط نحن من نمارسه على بعضنا البعض دون وعي، فهل توقفنا يومًا لنسأل أنفسنا: كم مرة جعلنا شخصًا يشعر بالنقص؟ كم مرة ضغطنا على أحد تحت اسم “النصيحة” أو “الحرص”؟ كم مرة كانت كلماتنا سببًا في قلق أو شعور بالدونية لدى شخص آخر؟
الضغوط النفسية لها مصادر تنبع منها ولها صور مثل: الضغط النفسي غير المعلن حيث يبدأ من الكلمات الصغيرة مثل “ليش ما تزوجت إلى الآن؟” أو “أنت ما زلت على نفس الوظيفة؟” أو “فلان اشترى بيت،وإنت؟” أو “شكلك تعبان، زايد وزنك شوي!”،قد تُقال هذه الجُمل ببساطة أو حتى بنية طيبة، لكنها في الحقيقة تخلق شعورًا بالحرج، والمقارنة، والنقص، والفشل لدى الطرف الآخر، ونمارسها يوميًا وربما نحن من ضحاياها أيضًا.
وأما الأسرة فهي من مصادر الضغوط النفسيه التي يبدأ الضغط فيها مبكرًا، ففي كثير من البيوت العربية (إلا من رحِم ربي ) يُقارن الطفل دائمًا بإخوانه، أو بأبناء الجيران، أو بأحد الاقارب، مثل”شوف أخوك كيف متفوق؟” ،أو”أنت ما تعرف تسوي شيء صح!”، أو”لو ما سمعت كلامنا، راح تفشل!”، هذه العبارات تُغرس في نفس الطفل وتكبر معه، لتُنتج لاحقًا شخصًا خائفًا من الخطأ، مهووسًا بالكمال، أو ضعيف الثقة بالنفس.
وفي المنظومة التعليمية، يُمارَس ضغط هائل تحت شعار “الدرجات أولًا”.
الطالب الذي يختلف أو يفكر بطريقة غير معتادة، غالبًا ما يُهمَّش أو يُوصف بـ”الغريب” حتى في الجامعة، ومن لا يتماشى مع التوقعات الاجتماعية أو لا يسلك المسار “المعتاد”، يُنظر إليه بريبة، وفي العلاقات الشخصية حين نُلحّ على شخص ليتغيّر، أو ننتقده باستمرار تحت شعار “أنا أحبك وأبغى مصلحتك”، نحن أحيانًا نُسلبه حريته في أن يكون نفسه، فالصديق الذي لا يشاركك نفس طموحك أو لا يسير على “خُطَّتك له”، لا يعني أنه فاشل، والزوج أو الزوجة الذين لديهم وتيرة مختلفة لا يعني أنهم “مقصرين”، ليس كل اختلاف تقصير، وليس كل نصيحة ضرورية.
وأما وسائل التواصل فتحتل رتبة مرموقة في مصادر الضغوط النفسية، فقد جعلت الضغط النفسي أكثر انتشارًا، دون أن يُقال حرف واحد، يكفي أن ترى إنجازات الآخرين، صورهم، عطلاتهم، وأسلوب حياتهم، لتشعر وكأنك في سباق مستمر، وحتى من دون قصد، نمارس ضغطًا على متابعينا بعرض أفضل نسخة منا، دون أي توازن أو شفافية.
نحن جزء من المشكلة، فلنكن جزءًا من الحل، الضغط النفسي اليومي قد لا يأتي من الأحداث الكبيرة، بل من التفاصيل الصغيرة والكلمات المتكررة،
وإذا لم نكن واعين بكلماتنا وسلوكنا، فإننا نُضيف أعباء على من حولنا دون أن نشعر، فلندرك أنه ليس كل نقد ضروري، وليس كل سؤال بريء، فقد يلامس جرح في اعماق الأخر، ويثير تهيج جروح عميقة ، وليس كل مقارنة عادلة، فلنقل خيرًا أو لنصمت.
موقع إرسال