
ما هو الحسد؟
الحسد هو شعور داخلي دفين يتمنى فيه الإنسان زوال النعمة عن غيره، سواء أكانت هذه النعمة مالًا، أو جاهًا، أو صحة أو غير ذلك، وقد لا يكتفي الحاسد بتمني زوال النعمة فقط، بل قد يسعى في الخفاء أو العلن لإلحاق الضرر بصاحبها.
ويعد الحسد من أخطر أمراض القلوب التي ذكرها الله في كتابه الكريم، حيث قال في سورة الفلق: “ومن شر حاسد إذا حسد”، وهذا يدل على أن الحاسد قد يُشكل خطرًا حقيقيًا ليس على من يحسده فحسب، بل على المجتمع بأسره، لِما يُوَلِدُه من عداوة وحقد وكراهية.
كيف يعذب الحسد صاحبه؟
الحسد لا يضر المحسود بقدر ما يعذب صاحبه، فالحاسد يعيش في صراع داخلي دائم، ولا تهدأ له نفس، ولا يقر له قرار، فكلما رأى نعمة على غيره اشتعل صدره نارًا، وضاق صدره، واكفهر وجهه، وتحول يومه إلى تعاسة، ويظل يقارن نفسه بالآخرين، ويشعر بالنقص والعجز، فيعيش حياته أسيرًا لهذا الشعور الخبيث.
الحسد يعطل التفكير، ويضعف الإبداع، ويقتل الطموح؛ لأنه يستهلك الطاقة النفسية في تمني زوال ما عند الناس بدلاً من السعي لتحقيق ما يريد الإنسان لنفسه، وقد قيل في ذلك: “الحاسد لا يسود، ولا يسعد، ولا يهدأ له بال حتى يتلف”.
لماذا يعتبر الحسد صفة مذمومة؟
الحسد صفة مذمومة لأنه في جوهره اعتراض على قسمة الله وعدله، فالحاسد يعترض في قلبه على من وهب النعمة، وكأنه يقول: لماذا أعْطَيتَ فلانًا ولم تعطِني؟ وهو بذلك يَتَطاوَل على حكمة الخالق، كما أن الحسد يوَلِد البغضاء، ويمَزِق أواصِر المحبة، ويؤدي إلى تفكك العلاقات الإنسانية.
وهو يتنافى تمامًا مع الأخلاق الإسلامية التي تدعو إلى المحبة، والرضا، والفرح لفرح الآخرين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”، فكيف يؤمن من يتمنى زوال الخير عن غيره؟.
أقوال مأثورة وأشعار عن الحسد والحساد
تناول العلماء والحكماء موضوع الحسد بكثير من التحذير والتنفير، وتركوا لنا تراثًا غنيًا من الأقوال والحكم التي تكشف خبث هذه الصفة وخطورتها، ومن أجمل ما قيل، بيت شعري للإمام الشافعي:
كلُ العَداوَة قَد تُرْجى مودَتُها
إلا عداوة مَنْ عاداك عَنْ حسد
ففي هذا البيت تلخيص بالغ الدقة، إذ أن العداوات العادية قد تُشفى مع مرور الزمن أو بتغير المواقف والظروف، لكن عداوة الحاسد تظل قائمة؛ لأنها ليست مبنية على سبب منطقي أو خطأ فعلي بل على الغيرة والحقد الداخلي، وهذا بيت ينسب للامام الشافعي يقول فيه:
اصبر على حسد الحسود فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله
وهذا المعنى يدل على أن الحاسد إن لم يجد من يتمنى زوال نعمته، فإنه سيأكل نفسه من الداخل حسرةً وكمدًا.
إن الحسد دَاء عظيم، يُفسد القلب، ويمنع الراحة، ويُدخل صاحبه في نفقٍ مظلم من الكراهية والتعاسة، ودواؤه يكون بالإيمان العميق بأن الأرزاق بيد الله، وبالرضا بما قسمه الله، والدعاء بالبركة للناس، والثقة بأن الخير الذي تحبه لغيرك سيأتيك نصيبٌ منه يومًا ما، فلنُطَهِر قلوبنا من هذه الآفة، ونزرع فيها الحب والرضا واليقين.
موقع إرسال