من شروق شمس يوم التاسع من ذي الحجة، يبدأ حجاج بيت الله الحرام في التدفق إلى صعيد عرفات لأداء ركن الحج الأعظم، وهو الوقوف بعرفة، بعد أن يقضوا يوم التروية (الثامن من ذي الحجة) في مشعر منى.

ويوم عرفة من أعظم أيام الله تغفر فيه الزلاّت، وتجاب فيه الدعوات، وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة على المسلمين، وجعله الله كالمقدمة ليوم النحر، وقد وردت في فضائله ومآثره والأعمال المشروعة فيه -للحاج ولغير الحاج- أحاديث نبوية عديدة.

يوم عرفة من الأيام التي ينبغي للمسلم أن يعتني بالدعاء فيها بجد وإخلاص، فيدعو بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وبغيره، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة.

ينبغي للمسلم في يوم عرفة أن يكثر من التلبية، ومن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن لا يتوقف لسانة عن ذكر الله فتارة يهلل، وتارة يكبر، وتارة يحمد الله، وتارة يسبح، وتارة يقرأ القرآن، وتارة يدعو، وتارة يستغفر.

هذا اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره، فهو يومًا تٌسكب فيه العبرات وتستقال العثرات وترتجى الطلبات، فاغتنم الخيرات في هذا اليوم .

أفضل الأيام يوم عرفة

ورد في صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟”.

وفي مسند أحمد وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي، جاؤوني شعثا غبرا”.

وروى ابن خزيمة وابن حبان والبزار وأبو يعلى والبيهقي عن جابر رضي الله عنه، مرفوعا أيضا: “ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي، جاؤوني شعثا غبرا ضاجين، جاؤوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ولم يروا عقابي، فلم يُر يوما أكثر عتقا من النار، من يوم عرفة”.

‏كما ورد في كتاب الحج بـ”موطأ الإمام مالك” أن يوم عرفة هو اليوم الذي “ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلا لما رأى من تنزّل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام”.

فضائل يوم عرفة

يوم عرفة من الأيام التي شرفها الله وفضلها بفضائل كثيرة نذكر منها:


أولًا: يوم عرفة أفضل الأيام

لحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضل الأيام يوم عرفة)) رواه ابن حبان.

وروى ابن حبان من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الْأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ)) وفي رواية: ((إنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَةَ مَلَائِكَتَهُ، فَيَقُولُ: يَا مَلَائِكَتِي، اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي، قَدْ أَتَوْنِي شُعْثا غُبْرا ضَاحِينَ)).

ثانيًا: يوم عرفة يوم إكمال الدين وإتمام النعمة

نزل في يوم عرفة قول الله تعالى: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينا” (سورة المائدة، الآية 3).

وإكمال الدين في ذلك اليوم حصل لأن المسلمين لم يكونوا حجوا حجة الإسلام من قبل فكمل بذلك دينهم لاستكمالهم عمل أركان الإسلام كلها، ولأن الله أعاد الحج على قواعد إبراهيم عليه السلام، ونفى الشرك وأهله فلم يختلط بالمسلمين في ذلك الموقف منهم أحد.

وأما إتمام النعمة فإنما حصل بالمغفرة فلا تتم النعمة بدونها كما قال الله تعالى لنبيه “لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ” (سورة الفتح، الآية 2).

ثالثًا: يوم عرفة يوم عيد

عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب” رواه أبو داود.

رابعًا: صيام يوم عرفة يكفر سنتين

قال النبي صلى الله عليه وسلم “صيام يوم عرفه أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” رواه مسلم.

خامسًا: يوم عرفة يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار

عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء” قال ابن عبد البر وهو يدل على أنهم مغفور لهم لأنه لا يباهي بأهل الخطايا والذنوب إلا بعد التوبة والغفران.

الأعمال المشروعة في يوم عرفة

ويشرع في يوم عرفة بعض الأعمال التي سنها لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم، ويستحب في يوم عرفة -كما في سائر العشر الأوائل من ذي الحجة– الإكثار من الأعمال الصالحة من صلاة نفل وصدقة وصيام وذكر وغيرها، والأعمال المشروعة في يوم عرفة:

أولًا: الصيام

فقد ورد أن بصومه يكفر الله السنة الماضية والباقية، والمراد بذلك تكفير صغائر الذنوب، فقد روى أبو قتادة، قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال: ((صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ))، فيستحب صيامه لغير الحاج، أما الحاج فلا ينبغي أن يصومه حتى يتقوى على الوقوف وذكر الله.

ثانيا: الإكثار من الذكر والدعاء

قال النبي صلى الله عليه وسلم “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير” رواه أصحاب السنن.

ومن أسباب الرحمة والمغفرة في يوم عرفة الإكثار من الذكر والدعاء، خصوصا شهادة التوحيد، فهي أصل دين الإسلام الذي أكمله الله تعالى وأتمه في ذلك اليوم.

ثالثًا: التكبير

وقد ورد بصيغ متعددة كلها يفي بالمطلوب منها :

الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله .. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد

والأمر في التكبير واسع كما قال أهل العلم والمطلوب إقامة ذكر الله في ذلك اليوم والإكثار منه.

المصادر: الجزيرة نت ، إسلام ويب

موقع إرسال