حين تتحول الملعقة إلى درع وقاية

في زمن تتزايد فيه الأمراض المزمنة، وتتفاقم كلفة الرعاية الصحية، بات من الضروري أن نُعيد النظر في طعامنا اليومي لا باعتباره مصدرًا للسعرات فقط، بل باعتباره خط الدفاع الأول عن صحتنا.

وهنا ينبثق علم حديث وواعد يُعرف بـ علم التغذية الوقائية، الذي لا يقتصر على معرفة “ما نأكله”، بل يتعمق في “كيف يحمينا الطعام من المرض قبل وقوعه”.

ما هو علم التغذية الوقائية؟

علم التغذية الوقائية (Preventive Nutrition) هو فرع من فروع علوم التغذية، يُركّز على دراسة العلاقة بين النمط الغذائي والوقاية من الأمراض، بهدف تعزيز الصحة العامة وتقليل مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة، من خلال اختيارات غذائية ذكية ومبنية على الأدلة العلمية.

أي أنه علم يدرس: ماذا نأكل؟، ومتى نأكله؟ وكيف تؤثر تلك الخيارات على احتمالية إصابتنا بالأمراض؟.

محاور علم التغذية الوقائية:

لعلم التغذية الوقائية محاور عده منها: العناصر الغذائية الأساسية ودورها في تقوية مناعة الجسم، والتفاعل بين الغذاء والجينات (Nutrigenomics) وأثره على القابلية للمرض، وكذلك تقييم نمط الحياة والغذاء لتقليل العوامل المسببة للأمراض، والتغذية حسب الفئات العمرية (الطفولة، الحمل، الشيخوخة…)، واستخدام الغذاء كوسيلة علاجية داعمة (لكنها ليست بديلاً عن الدواء).

الأمراض التي يقي منها علم التغذية الوقائية

يساعد علم التغذية الوقائية في الوقاية من الأمراض، حيث يركز هذا العلم على كيفية تأثير التغذية على الجينات والصحة العامة، فمن خلال فهم العلاقة بين الطعام والوراثة يمكن تصميم خطط غذائية تساعد في تقليل خطر الإصابة بأمراض مزمنة.

الامراض التي يقي منها علم التغذية الوقائية عديدة منها: أمراض القلب والأوعية الدموية، وداء السكري من النوع الثاني، والسمنة ومضاعفاتها، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض السرطان المرتبطة بالتغذية (كسرطان القولون والثدي)، وهشاشة العظام، والضعف المناعي المزمن، وأمراض الكبد الدهنية، والاضطرابات الهضمية (القولون العصبي، الإمساك، الحموضة).

أهمية التغذية الوقائية

تكمن أهمية التغذية الوقائية في التقليل من كلفة الرعاية الصحية على الأفراد والدول، وتعزيز جودة الحياة وإطالت العمر الصحي، الحماية من التدهور الوظيفي المبكر في الأعضاء الحيوية، وتعزيز الإنتاجية الذهنية والجسدية في العمل والدراسة، ودعم التوازن النفسي حيث أظهرت الدراسات علاقة وثيقة بين التغذية والمزاج العام.

دراسات وأبحاث مهمة في علم التغذية الوقائية

1. دراسة فرامنغهام القلبية (Framingham Heart Study): من أطول الدراسات الطبية في العالم، أظهرت العلاقة المباشرة بين ارتفاع الكوليسترول وسوء التغذية وزيادة أمراض القلب.

2. دراسة صحة الممرضات (جامعة هارفارد، 2010–2020) (Nurses’ Health Study) : أثبتت أن النساء اللواتي يتبعن نظامًا غذائيًا غنيًا بالفواكه، والخضار، والبقوليات، والمكسرات، قلّ لديهن خطر الإصابة بالسكري بنسبة تزيد عن 30%.

3. دراسة النظام الغذائي المتوسطي (Mediterranean Diet) جامعة كريت، وجامعة هارفارد: أظهرت أن النظام الغذائي المتوسطي يقلل من خطر الوفاة بأمراض القلب بنسبة تصل إلى 45%.

4. دراسة مجلة لانسيت العبء العالمي للأمراض (Lancet Global Burden of Disease )في عام 2019: بيّنت أن النظام الغذائي غير الصحي مسؤول عن وفاة أكثر من 11 مليون شخص سنويًا على مستوى العالم.

هل هناك أطعمة تُسمى “أطعمة وقائية”؟

يطلق العلماء على بعض الأطعمة وصف “أطعمة وقائية” (Protective Foods) لأنها تحتوي على مركبات تُقلل من خطر الإصابة بالأمراض، أبرزها:

النوعأمثلةالفوائد
خضروات ورقيةالسبانخ، الجرجير، البروكليمضادات أكسدة، تحمي القلب
فواكه ملونةالتوت، الرمان، التفاحتعزز المناعة وتحارب الالتهاب
البقولياتالعدس، الفاصولياءتنظم السكر وتحمي من السرطان
الأسماك الدهنيةالسلمون، السردينأوميغا-3 لصحة الدماغ والقلب
أطعمة كبريتيةالثوم، البصلخفض ضغط الدم والوقاية من الجلطات
المكسراتالجوز، اللوزتحسين الكوليسترول وتقليل الالتهاب
الشاي الأخضريحتوي على EGCG، مضاد للسرطان والسمنة

كيف يفيد علم التغذية الوقائية الصحة العامة؟

يعزز الوقاية من الأمراض بدلاً من انتظار علاجها، ويخفف الضغط على النظام الصحي الوطني، ويوجّه السياسات الغذائية نحو بناء مجتمعات أكثر صحة ووعيًا، ويُستخدم كإستراتيجية قومية لمكافحة السمنة والسكري في الدول المتقدمة.

علم التغذية الوقائية هو ضرورة مجتمعية وأخلاقية، لأنه يمنح الإنسان أدوات لحماية جسده، وعائلته، ومجتمعه، فبدلًا أن ننتظر المرض لنكافحه، يعلّمنا هذا العلم أن نُهيئ أجسادنا للصمود والاستجابة والتجدد.

“حين نأكل بوعي، نُضيف أيامًا إلى أعمارنا، وجودةً إلى حياتنا.” تنسب هذه المقولة إلى د. مارك هايمان، وهو طبيب معروف في مجال التغذية والصحة.

موقع إرسال