قد ينظر البعض إلى وقت الفراغ على أنة مساحة زمنية خالية من العمل أو الدراسة، بينما قد يكون هو الفارق بين شخص عادي وشخص ناجح، بين إنسان يعيش بلا هدف وآخر يصنع فرصة نجاح في كل دقيقة.

إننا نعيش في عالم سريع الوتيرة، مليء بالضغوطات، والتشتت، والإرهاق الذهني، ووسط هذا كله يظهر وقت الفراغ كـفُسحة للترميم، وإعادة التوازن العقلي والجسدي، فحين يدرك الفرد أن وقته ليس ملكًا للكسل، تتغير نظرته للزمن، ويتحول كل فراغ إلى فرصة جديدة.

وقد شبّه بعض العلماء الوقت بأنه “العُملة الوحيدة التي لا تُسترد”، فكل دقيقة تمضي لا تعود، لكن يمكن أن تكون رصيدًا معرفيًا، أو صحيًا، أو نفسيًا إن أُحسن استغلالها.

غالبًا ما نشكو من قلة الوقت لتطوير المهارات، بينما لحظات الفراغ القصيرة كفيلة بتعزيز المعرفة في التخصص المهني أو الأكاديمي،
فكل إضافة صغيرة هي تُراكم على المدى الطويل لتصنع منك شخصًا أكثر كفاءة واحترافًا.

وقت الفراغ في حياة الشخص الناجح

الناجحون لا يتركون وقتهم للصدفة، بل يُخططون حتى لأوقات الراحة، فحين ينظر الإنسان في حاله، قد يشعر أن يومه مزدحمٌ ومجهد، لكن الحقيقة أن الفراغ موجود، لكنه يتسرّب في: تصفح بلا هدف، مكالمات لا فائدة منها، أو تسويف تحت شعار “سأبدأ لاحقًا”، في الواقع ما يملكه الإنسان من فراغ إن أُحسن استثماره يكفي لتعلم لغة، أو بناء مشروع، أو حتى تأليف كتاب.

الوقت كنز

كل دقيقة تمر هي فرصة، فرصة لنموك، لتطوّرك، لتقرّبك من الله ومن نفسك ومن الناس، وقت الفراغ ليس عبئًا بل نعمة عظيمة، فلا تجعله يُهدر بين أصابعك، بل اجعله سُلّمًا ترتقي به نحو الأفضل.

الفراغ اختبار لحسن التدبير، ابدأ اليوم بسؤال نفسك: ماذا أفعل في وقت فراغي؟، ثم ابدأ بخطوة بسيطة، وستُدهشك النتائج مع الأيام.

دراسات وأبحاث حول وقت الفراغ

1. دراسة بعنوان: إدارة وقت الفراغ لدى الشباب الجامعي وعلاقته بالاستقرار الأسري

دراسة نشرت في مجلة البحوث التربوية النوعية، تناولت أهمية وقت الفراغ في حياة الشباب الجامعي، وأشارت إلى أن قضاء وقت الفراغ بأسلوب سليم يمكن أن يسهم في اكتساب المهارات والقيم والخبرات التربوية والاجتماعية، وتحقيق التوازن النفسي، كما أظهرت الدراسة أن هناك كميات كبيرة من وقت الفراغ لدى الطلاب الجامعيين خاصة خلال أيام العطلات، وأن القصور في الاستفادة من هذا الوقت يؤثر على معدلات التحصيل الدراسي.

2.دراسة بعنوان: طبيعة استغلال وقت الفراغ لدى طالبات جامعة الحدود الشمالية

هدفت هذه الدراسة إلى التعرف على حجم وطبيعة أنشطة وقت الفراغ التي تمارسها طالبات كلية العلوم والآداب بجامعة الحدود الشمالية في المملكة العربية السعودية، فأظهرت النتائج أن الغالبية العظمى من الطالبات لديهن وقت فراغ يتراوح بين 4-5 ساعات يوميًا في أيام الدراسة، ويزداد في أيام الإجازات، كما كشفت الدراسة أن الأنشطة السلبية تأتي في مقدمة ما تمارسه الطالبات خلال وقت الفراغ، مع وجود اتجاهات إيجابية نحو ممارسة النشاط الرياضي.

3. دراسة بعنوان :دور الشباب في إدارة أوقات الفراغ واستثماره في التنمية الثقافية

نٌشرت الدراسة في مجلة أوراق ثقافية في لبنان، وتناولت الدور المهني الذي يقوم به الاختصاصي الاجتماعي مع فئة الشباب في استثمار أوقات فراغهم، وأشارت إلى أن إدارة وقت الفراغ تعني قدرة الشباب على القيام بمجموعة من الأنشطة التي يختارونها برغبتهم بعد تحديد الأهداف، مما يسهم في تنمية مهاراتهم وقدراتهم والارتقاء بالجوانب البدنية والنفسية والعقلية.

4. دراسة بعنوان: إدارة الشباب لمورد الوقت وعلاقته بممارسة أنشطة وقت الفراغ في السياحة الداخلية

نشرت الدراسة في مجلة البحوث التربوية النوعية، فأوضحت هذه الدراسة أن إدارة وقت الفراغ واستثماره بشكل جيد يساعد على التكيف مع المتغيرات المعاصرة، ويحقق الطموحات والأهداف المنشودة، كما أشارت إلى أن إساءة استخدام الوقت وعدم استغلاله في أمور مفيدة يؤثر سلبًا على العلاقات الاجتماعية، ويساعد على انتشار بعض العادات والظواهر السلبية مثل الكسل واللامبالاة.

5. دراسة بعنوان: أنشطة أوقات الفراغ لدى الشباب الجامعي وعلاقاتها ببعض جوانب الصحة النفسية

نٌشرت في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، واستعرضت هذه الدراسة عدة أبحاث تناولت العلاقة بين أنشطة وقت الفراغ والصحة النفسية، من بينها دراسة فورنهام (1982) التي بينت وجود علاقة بين أبعاد الشخصية واختيار المواقف التي يقضي فيها المرء وقت فراغه، ودراسة تينسلي وآخرين (1985) التي أظهرت الفوائد النفسية الناتجة عن أنشطة وقت الفراغ لمن هم في سن الشيخوخة.

6.دراسة عربية من جامعة الملك سعود:

أشارت إلى أن معظم الشباب العربي لديه وقت فراغ يومي لا يقل عن ساعتين، ومع ذلك فإن 70% منهم لا يملكون خطة لاستثماره.

وقت الفراغ: نعمة غافلون عنها

وقت الفراغ ليس فراغًا في الحقيقة، بل فرصة ثمينة قد تصنع منك إنسانًا أفضل إن أحسنت استغلالها، إنها اللحظات التي لا تقيّدك فيها مسؤولية أو عمل ملزم، لكنها تتيح لك هامشًا حرًّا للعمل والانجاز والتعلم.

وفي عالم متسارع مليء بالمشتتات، قد يتحول وقت الفراغ إلى فوضى استهلاك وكسل وتسويف، أو يتحول إلى منصة لتحقيق التوازن النفسي، وتغذية العقل، وتحسين جودة الحياة.

فالرياضة مثلًا ليست فقط لتحسين اللياقة، بل لها أثر نفسي كبير في تخفيف التوتر وزيادة صفاء الذهن، والمشي في الهواء الطلق، والجري، والسباحة، أو حتى التمارين الخفيفة في الحديقة العامة تعيد للإنسان نشاطه الحيوي وتكسر الروتين.

أمثلة لأشخاص تحدّثوا عن قيمة وقت الفراغ

مالكوم إكس (الناشط الأمريكي):
قال في مذكراته إنه استغل وقت سجنه في القراءة 15 ساعة يوميًا، حتى “قرأ مكتبة كاملة”، مما جعله أكثر وعيًا وتأثيرًا بعد خروجه.

أحمد زويل (العالم المصري):
كان يقول: “الوقت هو أثمن ما نملك، إن ضاع فلن يعود، وكل دقيقة تمر يجب أن تُستثمر.”

المصادر:

مجلة البحوث التربوية النوعية

جامعة الحدود الشمالية في المملكة العربية السعودية

مجلة أوراق ثقافية في لبنان

مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد 2، السنة 2، 335-385

موقع إرسال